ماذا لو جند بوتين جماعات "جهادية مرتزقة" ل"تدنيس" المقاومة الأوكرانية؟
ماذا لو جند بوتين جماعات "جهادية مرتزقة" ل"تدنيس" المقاومة الأوكرانية؟
كتب سعيد إدى حسن*
حظيت أوكرانيا بتعاطف دولي غير مسبوق، على المستويين الرسمي والشعبي، في مواجهة العدوان الروسي والأطماع التوسعية للرئيس فلادمير بوتين، الذي تحجج بضرورة حماية "الأمن القومي الاستراتيجي" لبلاده في مواجهة توسع حلف شمال الأطلسي شرقا، لاجتياح الجارة الغربية أوكرانيا وتحويلها إلى سوريا جديدة.
المقاومة الشرسة التي واجه بها الجيش الأوكراني الزحف الروسي خلال الأيام الأولى من العدوان، بالإضافة إلى هذا التعاطف الدولي، خاصة من البلدان الأوروبية، والذي تبلور في إسراع بعض الدول مثل بريطانيا وهولندا وألمانيا إلى الإفصاح عن نيتها تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة نوعية مثل صواريخ ستينغر “Stinger” ، دفع بالرئيس الأوكراني إلى المطالبة بالرجال وليس فقط بالسلاح لوقف الزحف الروسي نحو الغرب.
وفي ظل عدم توازن القوى بين الجيشين الروسي والأوكراني، لا على المستوى البشري ولا على مستوى التسليح، بادر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى الإعلان عن "فتح باب التطوع للأجانب من خارج أوكرانيا من أجل التصدي للعدوان الروسي".
قبل الإعلان عن هذا القرار ولتذكير الأوروبيين بآخر حرب طاحنة أودت بحياة ملايين الأشخاص في القارة العجوز، شبهت الحكومة الأوكرانية الرئيس الروسي بوتين بالزعيم النازي أدولف هتلر الذي أحرق أوروبا بإشعاله فتيل الحرب العالمية الثانية، وطالبت بتحالف دولي لإيقاف الزحف الروسي نحو الغرب.
وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الأوكراني “ديميتري كوليبا” الأحد 27 فبراير 2022- وفقا لما نقلته وسائل إعلام عالمية: “لقد استطعنا معا هزيمة هتلر في السابق ويمكننا فعل ذلك مجددا وإلحاق الهزيمة ببوتين، وتابع: أدعو الراغبين في الانضمام إلينا في هذه المعركة مخاطبة بعثاتنا الدبلوماسية في بلدانهم”.
صواريخ ستينغر Stinger و"جحيم الروس"
ما شجع الحكومة الأوكرانية على فتح "باب تطوع الأجانب" لقتال الروس هو موقف بعض الدول الوازنة مثل ألمانيا التي أعلنت عن قرار تاريخي وغير مسبوق بتزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة، وهي الدولة التي اتخذت عقب الحرب العالمية الثانية "مرغمة" موقفا يقضي بعدم إعطاء السلاح لأي دولة في منطقة نزاع.
وأعلنت الحكومة الألمانية عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة والعتاد الحربي، بين بينها "صواريخ ستينغر الأمريكية الصنع وهي صواريخ دفاع جوية محمولة على الكتف، وتعمل كصاروخ أرض جو بالأشعة تحت الحمراء، ويمكن تكييف هذا الصاروخ للإطلاق من مركبات أرضية، أو حتى من طائرات مروحية عسكرية، وهي صواريخ "ستينغر جو جو".
ويصل مدى صاروخ ستينغر الذي تطور بشكل كبير منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى 4800 متر، وبإمكانه إصابة أهدافه على علو منخفض في حدود 3800 متر، وهو ما سيجبر الطائرات الحربية الروسية على تجنب الطلعات الجوية المنخفضة التي يقوم بها أحيانا في سماء كييف مما سيفقده الكثير من فعاليته التدميرية، كما يمكنه تدمير كل طائرات الهيلوكوبتر الروسية التي تشارك في العمليات العسكرية.
وتتوفر 29 دولة في العالم على هذا الصاروخ، كلها حليفة لأمريكا وتتعهد بعدم تصديره إلى دول خارج هذا الحلف. ويتم حاليا تصنيع صواريخ ستينغر في كل من ألمانيا وتركيا.
ويمثل صاروخ ستينغر كابوسا تاريخيا بالنسبة للجيش الروسي، حيث مكن هذا السلاح "المجاهدين الأفغان" من إلحاق أول وأكبر هزيمة ب"الجيش الأحمر" بعد عشر سنوات من الاحتلال السوفياتي لأفغانستان والذي امتد لمدة عقد من الزمن ما بين دجنبر 1979 و 15 فبراير 1989.
وبحسب الصحافي الأمريكي ستيف كول، في كتابه “حروب الأشباح.. السجلّ الخفيّ لسي أي إيه”، فقد زودت الاستخبارات الأمريكية الفصائل الأفغانية التي كانت تقاوم الاحتلال السوفياتي بما بين 2000 و 2500 صاروخ ستينغر، الشيء غير معادلة الحرب ومكن "المجاهدين" من تحويل أفغانستان إلى "جحيم الروس" كما سمت الجماعات الجهادية هذه الهزيمة التاريخية للجيش السوفياتي.
جماعات "جهادية مرتزقة"
الوعود التي أعطتها ألمانيا لأوكرانيا بتزويدها بهذا السلاح النوعي والذي لديه رمزية وفعالية كبيرتين في مقاومة القوات الروسية، شجع كييف إلى اتخاذ قرار فتح باب التطوع والذي كان يسمى "فتح باب الجهاد" في دول إسلامية شهدت غزوا روسيا مثل أفغانستان وسوريا.
قرار الحكومة الأوكرانية بفتح باب التطوع، والذي يوحي بعدم قدرة الجيش الأوكراني على الصمود في وجه الآلة التدميرية للجيش الروسي لمدة أطول، فيه شيء من التسرع والمخاطرة في آن واحد.
فإذا كان المجاهدون الأفغان قد حظوا بدعم علني ومباشر من الدول العربية والإسلامية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، فلم تحظى المقاومة المسلحة التي اندلعت في سوريا بداية لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ثم لصد الاحتلال الروسي-الإيراني لسوريا، بنفس الدعم والتأييد.
كان نظام بشار الأسد على وشك السقوط بداية سنة 2015 لولا تدخل الجيش الروسي الذي اكتسب احتلاله لسوريا "شرعية دولية" بالرغم من ارتكابه لمجازر حقيقية باستعمال البراميل المتفجرة والغازات السامة وقتله لعشرات الآلاف من المدنيين.
الجيش الروسي ارتكب، حسب منظمات دولية، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بعد دخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا، إثر حصولهم في البداية على "تسهيلات" من بعض الدول العربية والأوروبية، ثم استثار الجماعات الجهادية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والعشرات من الفصائل الجهادية الصغيرة بمقاومة الغزو الروسي/الإيراني في سوريا.
هذه الجماعات الجهادية ساهمت بشكل كبير في إفشال الثورة السورية وألبت عليها المنتظم الدولي الذي منح الجيش الروسي "تفويضا" غير معلن بإحراق الأخضر واليابس في إطار الحرب الدولية على الإرهاب.
بوتين وبفضل تحالفه مع دول مثل إيران وسوريا وجماعات مثل حزب الله والحوثيين باليمن والفصائل الشيعية المسلحة في العراق، بالإضافة إلى دول عربية خبرت طرائق تسليح وتمويل المقاتلين الأجانب في سوريا وليبيا، قادر على استجلاب بعض "الجماعات الإرهابية المرتزقة" إلى أوكرانيا لتدنيس المقاومة الأوكرانية والحصول على "مشروعية مكافحة الإرهاب".
صافرة الإنذار أمام هذا الاحتمال أطلقتها الاتهامات الروسية للمليشيات الشعبية التي تشكلت في أوكرانيا لدعم الجيش في مواجهة الزحف الروسي على البلاد، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "أساليب مجموعات القوميين المتطرفين الأوكرانيين تذكر بالممارسات التي اتبعها الإرهابيون في سوريا".
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها، السبت 27 فبراير 2022، إن "مجموعات الكتائب القومية للمتطرفين الأوكرانيين تستخدم سيارات الدفع الرباعي مجهزة بأسلحة من العيار الثقيل أو مدافع الهاون وهذا التكتيك كان يستخدمه الإرهابيون الدوليون في سوريا".
سعيد إدى حسن*
باحث أكاديمي بجامعة كومبلوتنسي بمدريد
متخصص في الجماعات الجهادية