مأساة “زلزال الحوز” تسلط الضوء على تفعيل مخطط مجابهة الكوارث الطبيعية
مأساة “زلزال الحوز” تسلط الضوء على تفعيل مخطط مجابهة الكوارث الطبيعية
مراكش ــ بالموازاة مع استمرار جهود الإنقاذ وعمليات الدعم والإسناد لآلاف المتضررين من ساكنة الدواوير والمناطق الجبلية النائية جنوبي مراكش، تُطرح أسئلة بارزة حول توفّر المغرب على مخطط مندمج لتدبير الكوارث الطبيعية، وكذا ضمان تواصل منتظم في زمن الأزمات، فضلا عن إمكانية تفعيله في هذه الظرفية العصيبة، نظرا إلى حجم قوة وأضرار الزلزال الذي ضرب بقوة مناطق وسط المغرب.
ولم تكد تمر ساعات قليلة على واقعة الزلزال وانتشار أولى المعطيات العلمية والميدانية بشأن قوّته، حتى تناسلت منشورات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف نشطاء مدنيين ومحليين ومواطنين تدعو إلى “تفعيل مخطط الكوارث وكيفيات التعامل معها التي تؤطرها نصوص تنظيمية دخلت حيز التنفيذ”.
ومع تسارع الأرقام في عدّاد المتوفين والجرحى والمنكوبين، سجلَّت “جمعية وسطاء ومستثمري التأمين بالمغرب” ملحاحية أن “يعلن رئيس الحكومة عن وقوع كارثة طبيعية لتفعيل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، وصرف التعويضات للضحايا”، موردة أنه “مُطالَبٌ بذلك في ظل ارتفاع عدد الوفيات والمصابين وانهيار المباني”.
من جانبه، قال البروفيسور توفيق أبو الحسن، طبيب متخصص في الإنعاش والتخدير عضو الجمعية المغربية لطب المستعجلات والكوارث، إن “المغرب يتوفر فعلا على مخطط للتعامل مع الكوارث أثناء وبعد وقوع الكارثة، كما أنه يضع في الحسبان أحيانا إمكانية توقعها بتضافر الجهود التدبيرية للمسؤولين مع التوقعات العلمية التي يتيحها هامش البحث العلمي في بعض التخصصات”.
تفعيل المخطط وتراتبية التدبير
أبو الحسن، الذي يشغل أيضا منصب رئيس قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش، أكد لهسبريس أن المخطط المعني “يوجد بشكل مسبق على مستوى وطني مركزي بتعاون مع فاعلي القطاع الخاص أيضا، ويجري العمل على تحيينه سنوياً لملاءمته مع نوعية كل حدث كارثي”، مضيفا أن “هناك مخططات ترابية حسب الجهات تجمع مصالح السلطات الولائية والقوات المسلحة والوقاية المدنية والأمن الوطني، فضلا عن الدرك الملكي، والهلال الأحمر، والمراكز الطبية والمستشفيات الجامعية”، وهذه الأخيرة تضع أيضا ما يسمى “المخططات البيضاء للتدخل”.
وفي حالة فاجعة الزلزال الذي كانت بؤرته إقليم الحوز، أكد الطبيب المختص أنه تم منذ اللحظات الأولى تفعيل بنود هذا المخطط وبرنامج عملياتي لتدخل الأطقم، كل حسب مهّامه ومن منطلق مسؤولياته، منوها بتجنّد “الطب الاستعجالي” للاستجابة في حالة الكوارث والتعاون مع السلطات المحلية والجهوية.
وعن قدرة المنظومة الصحية على مواكبة الأعداد المتزايدة من المصابين والجرحى والمعطوبين، بعضهم في حالات بالغة الخطورة، أفاد أبو الحسن بأن “المنظومة الصحية الوطنية قادرة على الاستيعاب ورفع التحديات مثلما نجحت في ذلك في عز الأزمة الصحية الوبائية لكوفيد”.
كما لم يفت المتخصص في طب المستعجلات والكوارث أن يشير إلى “خلية أزمة حكومية وبين وزارية، شُكلت إثر زلزال 8 شتنبر، يرأسها وزير الداخلية ويضمن تنسيق تحركاتها عن كثب وأولا بأول”، مبرزا أن “السلطات المغربية تسعى جاهدة لضمان تراتبية والتقائية التدابير المفعَّلة على أعلى مستوى، إذ هناك خلية أزمة على مستوى ولاية جهة مراكش، وخلية أزمة وتتبع على صعيد المستشفى الجامعي بمراكش تظل على تواصل دائم بمختلف مراكز الصحة العمومية والخاصة المنتشرة في الجهة والمناطق المتضررة”.
“إدارة سلسة” للأزمة
مهدي عامري، رئيس شعبة التواصل والعلاقات العامة أستاذ باحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، قال إن “هذه الأزمة تديرها وزارة الداخلية بشكل سلس ومنتظم، في التقائية تامّة مع باقي المتدخلين في تدبيرها”، مستدلا على ذلك بأن الوزارة “شكلت في سبيل ذلك خلية أزمة، كما حثّت المواطنين على التبرع بالدم لفائدة المصابين والمحتاجين إليه”.
وأوضح عامري، في تصريح لهسبريس، أن “من المجهودات التي ينبغي أن تُبذَل لإنجاح التواصل في الأزمة، الإسراع بفتح حساب بنكي وطني موحّد لجمع التبرعات”، معتبرا ذلك “إجراء عملياً في غاية الأهمية خلال أوقات الشدائد والتضامن زمن الكوارث”.
محاربة الأخبار الزائفة
إضافة إلى ذلك، لفت الأستاذ الباحث في التواصل إلى أهمية “تشكيل خلية أو لجنة مصغرة داخل خلية الأزمة المركزية الحكومية من أجل محاربة الأخبار الزائفة، تناط بها مهمة مكافحة وتصحيح الأخبار والمعلومات المغلوطة التي قد تنتشر وتتعلق بفاجعة الحوز، والتي قد تثير مزيدا من الهلع والخوف في أوساط المواطنين”.
وكمثال على الأخبار الزائفة التي رافقت زلزال الحوز، ذكر عامري الإشاعة التي راجت بأن مجموعة من المدن البعيدة عن بؤرة الزلزال ستشهد هزات ارتدادية أخرى، جعلت مواطنين يقضون ليلتهم في الحدائق والشواطئ خارج المنازل، وهو ما لم يكن صحيحا.
“المجهود الذي ينبغي أن تقوم به السلطات المغربية يجب ألّا ينصب فقط على مقاربة أمنية-تقنية ترتبط بإنزال قوات الجيش والقوات المساعدة المشكورة على مجهوداتها لإسعاف الجرحى في مناطق الزلزال وإنقاذ العالقين، بل ينبغي أن يتعداه إلى طمأنة المواطنين وجعلهم يبتعدون عن الأخبار الزائفة التي تفتقد للمصداقية وغير الموثوقة في محتواها، وهذه المهمة تظل من صميم تدبير تواصل أي أزمة”، يختم عامري.


