مغرب المواطنة مدير النشر: خالد الرحامني / E-mail: info@mouatana.com
مسرحية جدار إخراج ياسين أحجام.
مغرب المواطنة2024-12-12 18:35:04
للمشاركة:

مسرحية جدار إخراج ياسين أحجام.

مسرحية جدار إخراج ياسين أحجام.

متابعة محسن الأكرمين.

بعبارات لا تحمل ترف الحياة، التفتت الممثلة المسرحية تجاه من بقي حاضرا في قاعة حفل الافتتاح قائلة: انتظرت عودتك حتى انتهى زمن آخر العائدين !!! كانت تؤكد إِصْرَ عهد مارسته بالتكرار والتعود. ماتت شخصية البهلوان، وترك في رحمها الولود، جنينا لازال ينتعش عيشا من تغذية مشيمتها المكرهة بآفات الترمل. كانت تُقْفل ذاتها داخل مربع مسكن مربع الزوايا وشفاف، ولا يحميها حتى من المكاشفة الفاضحة لكل ترتيبات حياتها الوضيعة. في خلفية الجدار البلاستيكي الأبيض، كان زوجها (الحاكي البهلواني) يتمتع رؤية بمشاهد زوجته العليلة نفسيا، وهي تنتشي كأس مرارة الألم المستديم، ومُسودات المستقبل الخفي.
كان البهلواني المتمرس في إسعاد الآخرين بغير ذاته الكئيبة الدائمة، قد أثمل يومها وبزيادة في مستنقع حُفرة حانة رخيصة، تُذوب الفوارق وتَصنع السعادة الناعمة في عالم أحلام الوهم. كانت مشاكل البهلواني (الميت جسديا) تتنوع بين الذاتية وحتى الحياتية منها. كان قد ملَّ من كل أجزاء أيامه البئيسة والوضيعة في ظل حياة الظل البارد في حفر الليل والتسكع، والانتكاسة في غوص المشاكل، وحالات ازدواجية الشخصية المركبة بالمواقف واللحظات.
في طريق عودته إلى ملجأ بيته ذات يوم، كان ثملا مفخخا بالانتشاء. كان مسحورا مع خرافات الفضاءات، والتنوع بتراتبية الوضعيات الاجتماعية. كان يعيش لحظتها حد كفاف الروح والحركة عن ردة فعل سريعة واقية وحامية، حينها دهسته مركبة، وألقت به في عالم الأموات والضحايا. مات، مات المسكين ثملا بالمنشطات الروحية، ولم تُسعفه اللحظة إلى استحضار الروحانية الوجودية بالتأمل والصفاء، وتمرير الروح بين ممرات الولادة والموت !!!
بين نشوة منشطات الحياة الفانية، وانتشال الروح من الجسد، بقي في مخيل الذاكرة الاستحضارية، بأنه يقدر اللعب في ثقب الحياة الإنسانية العميقة بإحياء الجروح، ولما لا التحكم في كل الأحداث، وصناعة مواقف مستجدة من مسرحية (جدار) حزينة، ودالة سيمائيا وإنسانيا. كان هو الراوي الوصي على تمرير الأحداث، و الذي يتلون صوته وحركاته مع المواقف والمشاهد، ويصنع الفرجة، وتمزيق الجدار البلاستيكي السميك للفضح الكلي عن الوجوه المثقلة بهم الحياة. ولما لا الدفع بها نحو اللعب فوق رُكح مسرح الحياة بالواقعية، والمتخيل والمعرفة!!!
في الغرفة المجاورة، كان المغني المتمرس في الأداء الصوتي العالمي، يُداوم على معاقرة المنشطات الروحية، ويمارس الخلوة في قتل ذات الفشل، وتعميق جراح حدث كان غير متوقع ساهم في صناعة نهاية مساره الغنائي. كان هنالك في ديكور المسرحية جدار سميك فاصل بين الغرفتين. كان الصوت بينهما مسموعا حد بناء حوارات ثنائية بين أرملة البهلواني الحامل، والتي تعيش ضمن إكسسوارات متاهات الألم وعمق الجراح، وبين المغني الذي لا يصحو عقله لحظة، حتى يَكيل له كؤوسا متناوبة وبالتعسف على ‘حاث (التَّلْفة وإسكات البَلْية) !!!
في طلبها المتكرر للخروج من وحدتها القاتلة، رجته على فتح فجوة بين سمك الجدار، حتى ولو كانت ضيقة المسمع والمشاهدة المباشرة لأجل التواصل الفعال، وتذوين حياة التعاسة ولو بحوارات ثنائية. لم يتردد للمرة الثانية، حين لبى المغني المتقاعد عنوة، فخرم الجدار، وباتت الملامح تُشاهد، وزاد ممثلو المسرحية من ذات تمزيق الجدار البلاستيكي بكل الاتجاهات، رفقة موسيقى تطويرية للأحداث، وتغييرات في الألوان، واستغلال مساحة الركح المسرحي بالحركة والبلبلة.
في الحوار الثنائي، والذي كانت أجزاء من قسط وقته الأوفر تمتلكه زوجة البهلوان الراوي، كانت المكاشفة المستطيلة الطيعة. كان هنالك تقويم لمسارات حياة كل منهما. كان الفضح التام، والذي ألقى بالمغني نحو ممارسة خلوة اعتكاف الخمر، ونسيان الذاكرة !!! لم ندر نحن من شاهد العرض المسرحي سرَّ انطوائه وعزلته الذاتية الطوعية. لحظة أسقط سرواله، تحرك على ركبتيه ويديه، وبدا يحكي بحرقة القدر ومعاكسة الحظ الماكر. قصَّ لنا يوم بات كل من في قاعة العرض الموسيقي، يُمارس سلطة الضحك بدل الاستماع إلى العزف والأغنية. حكى أنه استدار نحو الفرقة الموسيقية فوجدهم جميعهم في نشوة من الضحك على مشهد لم يعلم لحد وقته ما يضحك القاعة !!! لكنه، انكسر وفرَّ خنوعا من القاعة حين أنزل عينيه أرضا، فوجد ذاك السروال الثمين، والذي ابتاعه من أرقى دور عرض الملابس الإفرنجية، قد سقط أرضا بلا حشمة!!! والجميع يضحك عن التعري اللاإرادي !!!
كان يسير على ركبتيه ويديه، ويمارس الحبو الفطري بالتعري، مثل ما حدث له في سالف أوج سُطوع نجمع الغنائي. ما أسوء ! أن يكون السروال الثمين سببا في انهيار مملكة الغناء عنده!!! ما أسوء ! أن تكون النهاية في فرض وصاية الخمر على ذاكرته، وتطويع سبل النسيان المباح لمشهد التعري اللاقصدي، والفرار من قمة عشق وشهرة الغناء !!!
حكى الراوي البهلوان الشبح، أن من ذاك الثقب الخفي لأزمة الحياة في الجدار، تجرأت الزوجة الحامل على عرض سلعة زواجها بالمغني المنتكس، وكأن المشهد يعيدنا إلى تيمة (وافق شن طبقة) في توافق الأزمات النفسية والحياتية. وكذا في البحث عن مخارج للمشكلات الحياتية العالقة بالتآلف، وإنهاء العرض المسرحي بلا استطالة ولا إقحام. رفض المغني الفكرة أولا، لكن زوجة البهلواني أرادت الارتداد نحو الماضي العتيق، أرادت أن تمنح جسدها غطاء لذات الملمح الخارجي، بعد أن أنهكتها مطبات زواجها الأول، وموت البهلوان (الشقي) غير المنتظرة بالنسيان، وهو من كانت تنتظر عودته، بعد أن ينتهي كل العائدين من العودة.
ورغم أن الراوي البهلوان (الشبح)، كان قاسيا بالدفع بالممثلين إلى المواجهة، واستباحة استحداث المشاكل والحلول، إلا أنه آثر أن يفك القناع من البهلواني الميت نحو الإنسان الرحيم، حين دفع بالجدار السميك للتنحي بين الغرفتين... حينها كان المغني يعيد ارتداء ملابس الحفلات، ويكسر ما تبقى من زجاجات النبيذ. كانت الزوجة الجريحة الحامل، تنزع عنها خمار التقادم، وتتقدم نحو الحياة والتجديد، والنط من الجدار البلاستيكي خارجا.
في الحقيقة كانت هذه مشاهد من مسرحية (الضوء نفسه أغمق: جدار)، من إخراج الفنان والممثل الأنيق ياسين أحجام. ومن تأليف المبدع الشاب قدس جندول. سينوغرافيا وملابس الشاب ياسين الزاوي. تشخيص الأدوار والمشاهد الفنانة الممثلة قدس جندول، الفنان أمين بودريقة والفنان رضى بنعيم. مسرحية تم عرضها يوم افتتاح مهرجان (مكناس خشبة لمسارح العالم).

مسرحية جدار إخراج ياسين أحجام.

مسرحية جدار إخراج ياسين أحجام.

 

مغرب المواطنة
للمشاركة: