إنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي ذكرى الرحيل :

أتذكر..

أنني عرفت الشاعر العربي الكبير محمد عنيبة الحمري الحائز على جائزة المغرب للكتاب منذ سنوات طويلة ككاتب وشاعر، لكن المعرفة الشخصية حدثت قبل خمس سنوات فقط وكان عرابي هذا التعارف هم الأصدقاء عبد الناصر لقاح وأبا الأنوار والفنان عبد الجليل الحمزاوي، وفي بيت هذا الأخير حصلت اللمة ووليمة الطعام وتغذية الروح شعرا وغناء.

بعد ذلك بحوالي سنة أقمت ببيتي وباسمي الشخصي صالونا أدبيا على شرف الصديق الشاعر المرحوم عنيبة الحمري بمناسبة نيله لحائزة المغرب للكتاب ( صنف الشعر ).

المرحوم الشاعر محمد عنيبة الحمري له مستوى ثقافي ومعرفي عالي وكان من القلائل الذين كتبوا عن العروض الفراهيدي وكانت أشعارة تتميز بجدية الموضوع ورصانة اللغة وبديع الصورة وأصالة الإيقاع.

المرحوم من الشعراء الذين صرفوا المال على طبع دواوينهم بدل أن يصرفوه متعا وعقارا تستفيد منه العائلة، وله قصيدة في هذا المعنى.

السي محمد عنيبة كان رجلا هادئ الطبع، خلوق ومتواضعةبلا ادعاء، وقد صرف الجزء الأكبر في حياته يعلم الأجيال، وكان ناجحا في بناء عائلة متراصة البنيان، أبناؤها بررة وخريجي معاهد عليا، لكن الأهم أنهم خريجي أبوة عنيبة الحمري.

وكان الرجل صاحب نكتة وجميل الجلسة. دبلوماسي وسط الجماعة يتعامل مع كل حسب مستواه ومزاجه دون أن يخسر شخصا على حساب ٱخر، وكان في الجلسات يسوي أوتار الجماعة ويخيط بالخيط الأبيض.

ما لا يعرفه الكثير من الفاعلين الثقافيين بالمغرب أن ذاك الصالون الأدبي الذي نظمت ببيتي منذ حوالي أربع سنوات على شرف المرحوم وحضرته ثلة راقية من كتاب الحرف وعازفي الوتر الجميل كان هو اللحظة الأولى من تأسيس المركز المغربي للثقافة والإبداع. وبالتالي فإننا يمكن أن نعتبر أن أول نشاط ثقافي للمركز كان هو ذاك الصالون وجاءت الترتيبات القانونية حوالي أربعة أشهر بعد ذلك، ومن ثمة يمكننا أن نعتبر أن الفقيد هو أحد مؤسسي هذا الصرح الثقافي بالمغرب.

نم قرير العين صديقنا عنيبة الحمري فقد أديت الرسالة وصنت الأمانة وتركت ثراثا يجعلك من الأحياء الذين لا يموتون أبدا.