النظام السياسي المغربي والتطور الرقمي وانفتاح العولمة. معادلات جديدة للسلطة والمال والنخب
النظام السياسي المغربي والتطور الرقمي وانفتاح العولمة. معادلات جديدة للسلطة والمال والنخب
يشكل النظام السياسي المغربي، بمرجعيته الملكية الدستورية وتعدديته الحزبية، نموذجًا قادرًا على التكيف مع التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم. فقد أدى التطور الإعلامي والرقمي، والانفتاح المتزايد للمغرب على الفضاء الدولي، وصعود الفاعلين الاقتصاديين الجدد، إلى إعادة تشكيل العلاقة بين السلطة، والنخب، والمال، والمجتمع.
1. التحول الإعلامي والرقمي
شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين انتقالًا من إعلام تقليدي محدود التأثير إلى فضاء رقمي مفتوح، جعل المواطن فاعلًا شريكًا في إنتاج المعلومة وصناعة الرأي العام. أصبحت المنصات الرقمية فضاءً سياسيًا جديدًا يفرض على الدولة والأحزاب التفاعل السريع، ويكشف الاختلالات، ويؤثر في القرار العمومي. ومع ذلك، ما تزال الدولة تسعى إلى تحقيق توازن بين حرية التعبير والحفاظ على الأمن الرقمي ومحاربة الأخبار الزائفة.
2. الانفتاح الدولي وصعود القوة الناعمة
انفتاح المغرب على العالم، خصوصًا إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة والصين، مكّنه من توسيع تأثيره الدبلوماسي والاقتصادي. وقد عززت الاستثمارات الأجنبية، وعودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وتطوير الصناعات الجديدة (كالسيارات والطاقة المتجددة)، مكانة المملكة كفاعل إقليمي صاعد. هذا الانفتاح ينعكس بدوره على الحقل السياسي الداخلي، عبر رفع سقف التوقعات وتعزيز ثقافة الحكامة.
3. تجديد النخب: بين الطموح والواقع
رغم الإصلاحات الدستورية التي فتحت المجال أمام الشباب والنساء، إلا أن تجديد النخب يظل مسارًا بطيئًا، بسبب هيمنة الوجوه التقليدية وضعف الديمقراطية الداخلية للأحزاب. في المقابل، ظهر جيل جديد من التكنوقراط والكفاءات الرقمية، إضافة إلى مؤثرين ورجال أعمال شباب أصبحوا يمارسون تأثيرًا مباشرًا في المشهد العام. ومع ذلك، تبقى الحاجة ملحّة لإدماج نخب نوعية قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية والرقمية
4. اللوبي الاقتصادي وعلاقة السياسة بالمال
أدى تعاظم دور المجموعات الاقتصادية الكبرى إلى بروز لوبيات اقتصادية مؤثرة في القرار السياسي، مستفيدة من الانفتاح والاستثمار. ورغم كون اللوبيات جزءًا طبيعيًا من أي اقتصاد حديث، إلا أن غياب الشفافية في بعض الحالات يؤدي إلى تداخل المال والسياسة، وإلى منافسة غير عادلة على مواقع النفوذ. ما تزال الدولة تعمل على ضبط هذه العلاقة عبر الرقمنة، والمراقبة المالية، ومحاربة الفساد، ومنع تضارب المصالح.
5. خاتمة
يعيش المغرب مرحلة انتقال سياسي هادئ يتفاعل فيها مع ثورة رقمية واسعة وانفتاح عالمي متسارع. هذه التحولات تعيد تشكيل العلاقة بين النظام السياسي والنخب والاقتصاد، وتفرض تحديثًا لآليات الحكم والمساءلة، بما يضمن استقرار الدولة واستمرار الإصلاح. المغرب اليوم في طور بناء معادلة جديدة للسلطة تجمع بين ثبات المؤسسة الملكية ودينامية المجتمع والاقتصاد الرقمي.
المحلل التفاعلي: المهندس عبد الحكيم الناصف بوروايل.



